فصل: (الآيتان: الثانية والثالثة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: أفكان النبي عليه الصلاة والسلام موافقا لهم؟
قيل: بل كان صلّى اللّه عليه وسلّم أمرهم بالإثخان، وبلغهم ذلك من اللّه تعالى، ولذلك كانوا عصاة بترك الأمر.
فإن قيل: فلم أضاف الأمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟ فقال:
ما كان لنبي أن يكون له أسرى؟
قيل: من الممكن أنهم أسروا الكفار ليسلموهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
فإن قيل: لم توقف بعد الأسر في قتلهم، واستشار أصحابه، فأشار عمر بقتلهم، وأشار أبو بكر باستبقائهم؟ فالجواب: أن ذلك لتجويز تغيير التعبد بعد الأسر، وإن كان الواجب من قبل القتل.
قوله تعالى: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ} [الآية 68]
حمله قوم على إسراع المسلمين في الغنائم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، وقد قيل: لولا تقدم دلالة القرآن على أن الصغائر مغفورة عند اجتناب الكبائر لمسهم العذاب، فعلى هذا ثبت كونهم عصاة، وإن كانت الصغائر مغفورة، فيصح أن يعاتبوا على ما فعلوه.
وقد قيل: معناه لولا أن الوعيد يتقدم العقاب، لمسكم فيما أخذتم، ولكن سبق الكتاب بأن لا مؤاخذة إلا بعد النهي.
وقد قال قائلون: يجوز أن يكون توقفه بعد الأسر في قتلهم، صغيرة ورد فيها العقاب.
ويقال: كيف يكون هذا صغيرة مع تقدم قوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ}، وأنتم إن جعلتم ذلك صغيرة، لم تجعلوا قوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} واردا بعد حرب بدر بل قبله، فإذا ثبت ذلك، فلابد أن تكون مخالفة الأمر في ذلك كبيرة.
قيل: احتمل أنهم توهموا أن القتل لما كثر جاز العدول إلى الأسر.
قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا} [الآية 69] ليس فيه بيان أكله بعد القسمة أو قبلها، أو بعد الغلبة والإحراز بدار الإسلام.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الآية: 72].
يدل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شيء} على وجوب الهجرة، إلا أنها كانت واجبة في وقت، وقد زال ذلك الوجوب بالفتح لقوله صلّى اللّه عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح».
وإنما كانت واجبة للخوف من الكفار، والخوف من الافتتان، ولتقوية الرسول عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك زال بالفتح.
ويحتمل أن يكون المراد بالولاية الوراثة، لأنهم كانوا من قبل يتوارثون بالإسلام والهجرة، ونسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ}.
ويحتمل أن تكون الموالاة في الدين.
وقوله تعالى: {ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شيء}، يدل على أن من ترك الهجرة، فقد خرج عن أن يكون وليا لسائر المؤمنين، إلا أنه لو خرج عن الدين لما قال الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}، يدل على أنه أراد به الولاية في الدين، لأنه تعالى قال: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ}.
قوله تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ} [الآية: 75].
يحتمل التوريث بالرحم على قول ابن مسعود.
ويحتمل أن يكون أولى ما بيّن اللّه تعالى في كتابه من آي المواريث، ويجعل هذه الآية كأنها مجملة وتلك مفصلة، ولا يدل على أن بعضهم أولى ببعض في الميراث من حيث الظاهر، إلا أن يعلم الميراث بدليل. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة الأنفال:
وجملة آياتها خمس أو ست أو سبع وسبعون آية.
صرح كثير من المفسرين بأنها مدنية ولم يستثنوا منها شيئا، وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء. وقد روي مثل هذا عن ابن عباس أخرجه النحاس في ناسخه، وأبو الشيخ وابن مردويه عنه.
وفي لفظ تلك سورة بدر، أي نزلت في بدر.
وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقرؤها في صلاة المغرب، كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب.

.[الآية الأولى]:

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ}: جمع نفل محركا، وهو الغنيمة.
وأصل النفل: الزيادة وسميت الغنيمة نفلا لأنها زيادة فيما أحل اللّه لهذه الأمة مما كان محرما على غيرهم، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهدين من أجر الجهاد.
ويطلق النفل على معان أخر منها: اليمين، والابتغاء، ونبت معروف.
والنافلة: التطوع لكونها زائدة على الواجب.
والنافلة: ولد الولد لأنها زيادة على الولد.
وكان سبب نزول الآية اختلاف الصحابة رضي اللّه عنهم في يوم بدر، بأن قال الشبان: هي لنا لأنا باشرنا القتال، وقال الشيوخ: كنا ردءا لكم تحت الرايات، فنزع اللّه ما غنموه من أيديهم، وجعله اللّه والرسول، فقال: {قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} أي حكمها مختص بهما، يقتسمها بينكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن أمر اللّه سبحانه، فقسمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بينهم على السواء.
رواه الحاكم في المستدرك، وليس لكم حكم في ذلك.
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خاصة، ليس لأحد فيها شيء حتى نزول قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الآية، فهي على هذا منسوخة وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي.
وقال ابن زيد: محكمة مجملة، قد بين اللّه مصارفها في آية الخمس ولا نسخ!.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)}: أمرهم بالتقوى، وإصلاح ذات البين، وطاعة اللّه ورسوله بالتسليم لأمرهما، وترك الاختلاف الذي وقع بينهما.

.[الآيتان: الثانية والثالثة]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا}: الزحف: الدنو قليلا قليلا، وأصله الاندفاع على الألية، ثم سمى كل ماش في الحرب إلى آخر زاحفا.
والتزاحف: التداني والتقارب. تقول زحف إلى العدو زحفا، وازدحف القوم: أي مشى بعضهم إلى بعض.
وانتصاب زحفا، إما على أنه مصدر لفعل محذوف، أي: يزحفون زحفا، أو على أنه حال من المؤمنين، أي: حال كونكم زاحفين إلى الكفار، أو حال من الذين كفروا، أي حال كون الكفار زاحفين إليكم، أو حال من الفريقين، أي: متزاحفين.
{فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (15)} نهى اللّه المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم، وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال. وظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن، وعلى كل حال إلا حالة: التحرف والتحيز.
وقد روي عن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي نضرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة ويزيد بن أبي حبيب والضحاك: أن تحريم الفرار من الزحف في هذه الآية مختص بيوم بدر، وأن أهل بدر لم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحازوا لا نحازوا إلى المشركين، إذ لم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم ولا لهم فئة إلا النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض. وبه قال أبو حنيفة.
قالوا: ويؤيده قوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} فإنه إشارة إلى يوم بدر.
وقيل: إن هذه الآية منسوخة بآية الضعف.
وذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية محكمة عامة غير خاصة، وأن الفرار من الزحف محرم ويؤيد هذا أن هذه الآية نزلت بعد انقضاء الحرب في يوم بدر.
فأجيب عن قول الأولين: إن الإشارة في يومئذ إلى يوم بدر بأن الإشارة إلى يوم الزحف، كما يفيده السياق، ولا منافاة بين هذه الآية وآية الضعف، بل هذه الآية مقيدة بها، ويكون الفرار من الزحف محرما بشرط بينه اللّه في آية الضعف.
ولا وجه لما ذكروه من أنه لم يكن في الأرض يوم بدر مسلمون غير من حضرها، فقد كان بالمدينة إذ ذاك خلق كثير، لم يأمرهم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالخروج لأنه عليه الصلاة والسلام ومن خرج معه لم يكونوا يرون- في الابتداء- أنه سيكون قتال.
ويؤيد هذا ما ورد من الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن الفرار من الزحف من جملة الكبائر كما في حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات» وفيه التولي يوم الزحف، ونحوه من الأحاديث.
وهذا البحث تطول ذيوله وتتشعب طرقه وهو مبين في مواطنه.
قال ابن عطية: والأدبار: جمع دبر والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة في الفصاحة لما في ذلك من الشناعة على الفار والذم له.
{إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ}: التحرف: الزوال عن جهة الاستواء والمراد به هنا التحرف من جانب إلى جانب في المعركة، طلبا لمكايد الحرب، وخدعا للعدو، كمن يوهم أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه ويتمكن منه، ونحو ذلك من مكايد الحرب فإن: «الحرب خدعة» كما في الحديث.
{أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلى فِئَةٍ}: أي إلى جماعة من المسلمين، غير الجماعة المقابلة للعدو، وانتصاب متحرفا أو متحيزا على الاستثناء من المولين، أي: ومن يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا، ويجوز انتصابهما على الحال، ويكون حرف الاستثناء لغوا لا عمل له.
{فَقَدْ باءَ}: جزاء الشرط.
والمعنى: من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع {بِغَضَبٍ} كائن، مِنَ اللَّهِ: إلا المتحرف والمتحيز.

.[الآية الرابعة]:

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)}.
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا}: أمر اللّه سبحانه رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يقول للكفار هذا المعنى سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها.
قال ابن عطية: ولو كان كما قال الكسائي إنه في مصحف عبد اللّه بن مسعود: قل للذين كفروا إن تنتهوا- يعني بالفوقية- لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها.
قال في الكشاف: أي قل لأجلهم هذا القول، وهو: إن ينتهوا. ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل: إن تنتهوا يغفر لكم وهي قراءة ابن مسعود ونحوه.
{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11] خاطبوا به غيرهم لأجلهم ليسمعوه.
أي: إن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وقتاله، بالدخول في الإسلام {يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ} لهم من العداوة. انتهى.
وقيل: معناه: إن ينتهوا عن الكفر.
قال ابن عطية: والحامل على ذلك، جواب الشرط فيغفر لهم ما قد سلف ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يحبّ ما قبله.

.[الآية الخامسة]:

{وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)}
{وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي كفر وشرك.
{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} تحريض للمؤمنين على قتال الكفار. وقد تقدم تفسير ذلك في البقرة مستوفى.